ظهرت في الآونة الأخيرة بوادر تقارب بين دولة تركيا ودول الخليج بعد التدهور الملحوظ الذي استمر لعدة سنوات في العلاقات التركية الخليجية.
المراحل التاريخية الحديثة للعلاقات التركية مع دول الخليج:
لقد شهدت العلاقات التركية الخليجية تقارب وتحالف في مراحل عدة، إلا أنها شهدت تباعد وخلاف في مراحل أخرى. بدأت هذه الخلافات بالظهور بشكل واضح وعلني عندما تدخل الجيش المصري للإطاحة بالرئيس المصري السابق محمد مرسي، عضو جماعة الإخوان المسلمين.
وقد اتهمت جماعة الإخوان المسلمين السعودية ودولة الإمارات المتحدة بدعم القوى المعارضة لحكمها في مصر، حيث قامت هذه القوى بالدعوة إلى مظاهرات واسعة النطاق أدت إلى الإطاحة بالرئيس مرسي. تبع ذلك حملة ملاحقة واسعة وكبيرة طالت المنتسبين للجماعة، وتم زجهم في السجون، كما تمت مصادرة أرصدة الجماعة، وحل الجمعيات والمنظمات التي تتبع لها.
وقفت السعودية والإمارات والبحرين بكل قوة إلى جانب الجيش المصري الذي أطاح بحكم الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وقد تم تقديم مساعدات بمليارات الدولارات لمصر. هذا بالإضافة إلى دعمهما السياسي والشعبي, وقد تم تصنيف الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب.
من ناحية أخرى، عارضت تركيا وقطر هذا التحرك للجيش المصري للإطاحة بالرئيس مرسي. موضحتين أنه يعد انقلاب صريح على الحكم ومسمار في نعش الشرعية والديمقراطية التي يدعو إليها الشعب المصري. كما قامت تركيا باستضافة المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين على أراضيها. إلى جانب سماحها بفتح عدة قنوات تلفزيونية حيث قامت هذه القنوات بشن حملات كبيرة ضد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وصل إلى سدة الحكم.
بالإضافة إلى قيام دولة قطر بحملة كبيرة عبر قناة الجزيرة الإخبارية. وذلك لمواكبة الأحداث التي حصلت في مصر وأسفرت عن تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم في مصر، بعد الإطاحة بالرئيس الراحل محمد مرسي.
أدت كل تلك الأحداث والتحالفات إلى زيادة القطيعة والفتور في العلاقات بين التحالف الأول المتمثل بالدول الخليجية الداعمة لحكم السيسي والمناهضة لجماعة الإخوان المسلمين وكل من يدعمهم. وتحالف تركيا وقطر المناهض للتحالف الأول.
وبذلك عادت الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة. ودولة قطر من جهة أخرى. كما تم الإعلان عن المقاطعة التي فرضت على دولة قطر وذلك بعدما سمحت الأخيرة بنشر القاعدة التركية العسكرية على أراضيها. وبذلك اُعلن عن العداء الصريح والواضح بين التحالفين.
لكن في الأسابيع القليلة الماضية، دخلت العلاقات الخليجية التركية مرحلة جديدة. حيث أعربت الدول المتصارعة عن استعدادها لطي صفحة الماضي وبدء صفحة جديدة من العلاقات بناءً على رؤى وتفاهمات جديدة واستراتيجية الأفق القريب الذي سيجلب النهاية السعيدة لمرحلة الخلافات والمقاطعات.
تغييرات إيجابية في العلاقات التركية الخليجية:
بالإضافة إلى المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة. والتغيرات الجيوستراتيجية، والظروف الاقتصادية التي أثرت على العالم بعد انتشار فيروس كوفيد -19 المستجد. كانت ضرورة عقلانية واستراتيجية للدول المتصارعة لمراجعة سياساتها إلى جانب مراجعة علاقاتها مع بعضها البعض.
وهذا ما تم الإعلان عنه من قِبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بتاريخ 6/12/2021 قبل مغادرته إلى قطر، حيث أعرب عن رغبته في تحسين العلاقات التركية الخليجية وتطويرها.
وأكد الرئيس التركي أنه سيواصل تطوير العلاقات مع دول الخليج دون أي تمييز، في إطار المصالح المشتركة والاحترام المتبادل، مؤكدا أنه يرحب بإعادة فتح الحوار والجهود الدبلوماسية مع الدول الخليجية لمنع سوء التفاهم. كما ذكر في حديثه أن الحصار والعقوبات المفروضة على دولة قطر قد رفعت منذ مطلع العام. وقد عاد التضامن بين دول الخليج، مضيفاً أنه سيزور أبوظبي في فبراير/شباط من العام المقبل.
العلاقات بين تركيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربي
من ناحية أخرى، رحبت السعودية والإمارات بالخطوات التصالحية مع جمهورية تركيا ودولة قطر، والتي عززتها زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي إلى أنقرة في الرابع والعشرين من شهر تشرين الثاني/نوفمبر. إلى جانب زيارة ولي العهد السعودي إلى الدوحة في الثامن من شهر كانون الأول/ ديسمبر، مما يدل على جدية تركيا والخليج في إنهاء الأزمة والمقاطعة والعودة إلى التحالفات السابقة، مما سيؤدي إلى مزيد من الاستقرار السياسي وتقليل الصراعات في المنطقة. إلى جانب الاستقرار الاقتصادي لدولة تركيا خصوصا بعد تراجع قيمة العملة التركية.
ومع ذلك، تظل قطر الشريك الاستراتيجي الأهم لتركيا، بسبب تقاربها الاستراتيجي والأيديولوجي المتمثل في دعم الإسلام السياسي. إلى جانب اتفاقيات الدفاع المشترك والاستثمارات القطرية الكبيرة في دولة تركيا. أما بالنسبة للتقارب مع الرياض وأبوظبي، فقد فُرض بسبب العوامل والمتغيرات الإقليمية والعالمية.
الفوائد الاقتصادية المترتبة على التقارب التركي-الخليجي الجديد :
تسعى تركيا إلى إعادة العلاقات التركية الخليجية. خاصة مع الرياض وأبو ظبي، وذلك لإعادة الاستثمارات السعودية والإماراتية وجلبها إلى تركيا، ورفع القيود المفروضة على التجارة الخارجية بين تركيا والسعودية والإمارات التي نتجت من العلاقات المتوترة بينهم.
وقد أصبح ذلك ملموسًا بعد أن زار ولي عهد أبوظبي أنقرة برفقة وفد كبير، حيث التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وقد تم توقيع اتفاقيات كبيرة بين كلا البلدين، كان أهمها إعلان دولة الإمارات العربية المتحدة تخصيص صندوق استثماري بقيمة 10 مليارات دولار أميركي للاستثمار في دولة تركيا، وبذلك تم طي الصفحة الماضية بين البلدين وبدأت صفحة جديدة في العلاقات بينهما. كما تم تحديد موعد زيارة الرئيس التركي طيب رجب أردوغان إلى أبوظبي للعمل على زيادة توطيد وتعميق العلاقات بين البلدين.
مسار العلاقات مع السعودية:
أما بالنسبة للعلاقات التركية السعودية فقد بدأت الاتصالات وجهود توطيد العلاقات قبل أن تبدأ مع دولة الإمارات العربية. حيث تبشر هذه الجهود ببداية جديدة في العلاقات بين البلدين، خاصة مع التصريحات والمحادثات الإيجابية بينهما.
وكان من بين هذه التصريحات بيان الرئيس التركي الذي وضح من خلاله أن دولة تركيا ستعمل على الارتقاء بالعلاقات إلى مكانة أفضل مع السعودية ودول الخليج .وقال “هناك إمكانيات جدية للتعاون بين تركيا ودول الخليج، وآمل أن نرى مشاريع التعاون الجديدة تقوم على المنفعة المتبادلة كفرص للاستثمارات المشتركة”.
بالإضافة إلى ذلك ، زار وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو الرياض بوفد رسمي رفيع المستوى بين البلدين منذ ما يقرب من أربع سنوات.
إلى جانب انفتاح أنقرة على مبدأ تجاوز الخلافات، والعمل على فتح صفحة جديدة مع دول المنطقة خصوصا الدول الخليجية، إلى جانب التقدم المحرز في علاقات تركيا مع دولة الإمارات العربية المتحدة، والتقدم المتوقع مع دولة مصر، فضلاً عن إجراء مباحثات بين وزيري التجارة في البلدين وذلك للعمل على حل الخلافات التجارية بينهما. حيث سيشهد تقدمًا أسرع في الأسابيع والأشهر القادمة.
مستقبل الدور التركي في الخليج
تبشر جميع المؤشرات الإقليمية والدولية والاتصالات المتكررة بين تركيا ودول الخليج ببدء مرحلة جديدة من العلاقات التركية الخليجية، حيث ستتمكن جميع الأطراف المعنية من دخول عام 2022 بعلاقات اقتصادية أقوى وتفاهمات سياسية جديدة وعلاقات إسلامية عربية بغض النظر عن الخلافات السابقة. مما سيفتح آفاقاً استثمارية واقتصادية تعود بالفائدة على مجتمعات وشعوب المنطقة.
الكلمات المفتاحية:
#العلاقات التركية الخليجية
#آفاق التحوّل في العلاقات التركية الخليجية
#العلاقات التركية - السعودية إلى أين؟
#مرحلة جديدة من العلاقات التركية الخليجية
#مستقبل الدور التركي في الخليج
#العلاقات-التركية-الخليجية –
العلاقات التركية - الخليجية إلى أين؟
#العلاقات التركية مع دول الخليج
#العلاقات بين تركيا ومجلس التعاون لدول الخليج العربي
#العلاقات التركية-الخليجية
#ترسيخ العلاقة الإماراتية-التركية
#أردوغان في أبوظبي
#سبب التحالف بين تركيا والإمارات
#التقارب التركي-الخليجي
#تركيا ودول الخليج